الثلاثاء، ١٢ فبراير ٢٠٠٨

مقــدمــة

اود أن اشيرفي مقدمتي هذه أن بحثي هذا لا يدخل في إطار إحياء الادب الشعبي ، لان هذا الادب ظل حيا مادامت لــه صلة وثيقة بقاعدة جماهيرية عريضة . ثم إن الادب الامازيغي يستحق الدراسة بل يستوجبها خاصة إذا علمنا أن مجاله بكر و خصب ، و قلة من الباحثين هم الذين تصدوا للبحث فيه ، و إنه لمن سوء خظنا أننا مازلنا نجهل الشيء الكثير عن هذا الادب . و نشير هنا إلى أن هذا الاخير بكل ألوانه و أجناسه يساير التطورات و التغيرات التي يعرفها المجتمع بصفة عامة و المجتمع السوسي بصفة خاصة . و به يستعين كل من أراد أن يغوص في أغوار المجتمع الامازيغي عامة ، سواء كان مؤرخا أو كباحث اجتماعي و في كل ما يتصل بالحياة و يحوم حولها ، و على هذا الاساس فالواجب الانساني أولا و الوطني ثانيا يدعونا أكثر من أي وقت مضى إلى التعريف بتراثنا الوطني الشعبي ، و في هذا الاطار يقول عباس الجراري : « لكل أمة تراث هو عنوان شخصيتها الوطنية يعبر عن قدرة عقليتها و يحدد مدى عبقريتها و يكشف عن قدرة إراداتها و يبرز طابعها القومي الأصيل في مجالي الحضارة و الثقافة . وقد مضى زمن غير يسير كان الناس – عامة و خاصة – يظنون أن هذا التراث لا يتمثل في غير ما ألف العلماء من كتب تحويها بطون الخزائن و المكتبات و فيها أقامت الاجيال خلال حقب التاريخ من أثار لم يتلفها توالي العصور و الازمان ، و يغفلون جانبا من الثرات، لعله لا يقل عن هذين الجانبين في توضيح معالم كيان الامة و ملامح وحدتها ، و إبراز مقوماتها و قيمها ، ان لم يكن أكثر منها عكسا لروحها القومي و ذاتيتها الجماعية . و هو الجانب المتمثل في الاداب و الفنون التي صدرت عن الشعب فردا و جماعة متخدة و سيلتها في التعبير ألوانا من القول و الكلام و الحركة و الاشارة و الرسم و التشكيل »[1].و كما هو معلوم فإن الادب الامازيغي مرتبط بالشعب أشد ما يكون الارتباط خصوصا منه الشعر أحد ابرز أجناسه ، إذ يعد من أقدم الفنون الادبية في الثقافة الامازيغية و هو أكثر الاجناس انتشارا و تداولا في المجتمع الامازيغي قديما و راهنا . و منطقة سوس تزخر بالعديد من الشعراء الذين برعوا و تفننوا في هذا الجنس الادبي محاولين إيصاله إلى جل شرائح المجتمع ، حيث دأب هؤلاء يدونون أشعارهم محاولين أخراجها من إطار الشفاهية إلى إطار أخر يضمن لها الاستمرارية و الحياة في إطار المكتوب و نقصد هنا الشعر الحديث محور بحثنا هذا ، و هو يعني مجموعة من الابداعات التي ظهرت في العقدين الاخيرين مع ظاهرة تحول الادب الامازيغي من مرحلة الشفهية إلى مرحلة الكتابة . هذا الشعر الذي يضم في طياته العديد من الاغراض كالغزل و الشعر الوطني و الشعر الديني ، هذا الاخير الذي ركزنا عليه في بحثنا هذا و الذي يقوم بوظيفة الوعظ و الارشاد و تلقين و تعليم قواعد الاسلام سواء عن طريق الفهم أو الحفظ للامازيغيين الذين لا يفهمون اللسان العربي .
أما عن مراحل البحث و محاوره الرئيسية فقد عرضنا في الفصل الاول لمفهوم الشعر الامازيغي و نشأته بصورة عامة ، دون إغفال موطنه و أماكنه ، و نظرا لمرور الشعر من عدة مراحل فقد تطرقنا لمرحلتين مهمتين مر منهما هذا التراث و هما :مرحلة الشعراء الشعبيين أو ما يطلقه عليه " انضامن " باعتبارها مرحلة شفهية، و مرحلة المجموعات و قد اقتصرنا في هذه الاخيرة على مجموعة " أرشاش " و مجموعة " ازنزارن عبد الهادي " باعتبارهما رمز الاغنية الامازيغية الملتزمة . و بعد هذه الصيرورة عن الشعر الامازيغي السوسي انتقلنا للحديث عن الشاعر الامازيغي من خلال التطرق لثقافته و بيئته و كونه وسيلة تربوية و توعوية . بعد هذا الفرش النظري في الفصل الاول و الثاني خصصنا الفصل الثالث لتحليل مجموعة من القصائد تتناول مواضيع دينية ، و من بين ما تطرقنا إليه قضية الجنة و النار و قضية الموت أما في مجال العبادات فقد أدرجنا ثلاثة قصائد، الاولى عن الصلاة و الثانية عن الصوم و الاخرى عن الحج . أما عن نبد السلوكات الغير الاسلامية فقد أدرجنا مجموعة من الابحاث عن الشعودة و التكبر و الغيبة و النميمة باعتبارها قضايا تتنافى و تعاليم الاسلام . و كما هو معلوم فكثيرة هي العقبات و العراقيل التي تقف أمام كل باحث في التراث الشعبي ، و ذلك لقلة المصادر و المراجع التي تتصل مباشرة بالدراسة أو حتى التي نتوفر عليها . و قد واجهتنا إحدى هذه المشاكل و التي تتمثل في قلة القصائد الدينية خصوصا إذا عرفنا أن تقيدنا بالشعر الامازيغي المعاصر بسوس جعلنا أمام شعر يكثر فيه الغزل و المدح و البحث عن الهوية .و في الاخير لا تفوتنا الفرصة لتوجيه جزيل الشكر و الامتنان للاستاذين "علي بنبريك " و "علي الزهيم " اللذين بفضل توجيهاتهما و إرادتهما استطعنا إنجاز هذا العمل المتواضع دون أن ننسى كل من قدم لنا العون و المساعدة سواء من قريب أو من بعيد .
[1] " الشعر المغربي الامازيغي " ، عمر حسين أمرير ص : 1 . ط : 1 . 1975 م ..

ليست هناك تعليقات: