الثلاثاء، ١٢ فبراير ٢٠٠٨

الفصل الأول : II. الشعر الامـــــازيغـــي (4 مراحلـــــــــــه:)

لقد عرف الشعر الامازيغي مرحلتين مهمتين في تاريخه حيث لكل واحدة منها خصائص تميزها عن الأخرى :
الشعر الغنائي التقليدي : يعد الشعر من أقدم الفنون الادبية في الثقافة الامازيغية و هو أكثر الاجناس انتشارا و تداولا في المجتمع الامازيغي قديما و راهنا . و كاد لأهميته و غزارة مادته أن يغطي على الاجناس النثرية خاصة في مجال الدراسات الادبية و الابحاث المتخصصة . و الشعر التقليدي لا ينفصل عن فني الغناء و الرقص إذ يعتبر بمثابة ظاهرة جماعية تندمج في المناخ الثقافي و في الحياة اليومية للمجتمع الذي يتمخض عنها ، و الذي يتوصل بها للتعبير عن أفراحه و أحزانه و انشغالاته ، فيكون انبتاقها مقرونا بالمناسبات الاجتماعية و الدينية التي توقع حياة الافراد و الجماعات ، و لذلك ففي المجتمع الامازيغي ينسحب المصطلح المقابل للشعر " أمارك " في آن واحد على الشعر ذاته كما على الغناء و الرقص الجماعيين ، و هكذا فالشعر الامازيغي غنائي في جوهره مصطبغ بالشفهية و الجماعية اللتين تجعلان منه إنتاجا مرهونا بظروف تواصلية مباشرة و بدونها يفقد أهم مقوماته و وظائفه .
و نظرا للطبيعة الشفهية للشعر الامازيغي ، مثله في ذلك مثل سائر الاجناس الادبية التقليدية فإن الكثير من روائعه القديمة لم يتم تداركها ، كما أن الكثير مما هو محفوظ يحوم الشك حول صحته و نسبته و تاريخه ، لما يشوبه أثناء تناقله جيلا بعد جيل من تحريف و انتحال .
الشعر الحديث : نقصد بالشعر الامازيغي الحديث مجموعة من الابداعات التي ظهرت في العقدين الاخيرين مع ظاهرة تحول الادب الامازيغي من مرحلة الشفهية إلى مرحلة الكتابة و قد دشن هذا التيار بنشر أول ديوان أمازيغي " لهجة تاشلحيت " للشاعر " محمد مستاوي " " ءيسكراف " و التي تعني باللغة الفصحى " القيود" ، و في الوقت الراهن يتمثل التراكم المتوفر في سبعة دواوين مطبوعة من النصوص المنشورة ضمن أعمال ندوات ثقافية أو في المجلات . و هذه الاعمال الجديدة رغم ظهورها في سياق ثقافي واحد فهي ليست تيارا متجانسا يصدر أصحابه عن وحدة في الرؤيا و التصور و التطلعات ، بل هي محاولات فردية لمثقفين من مختلف المشارب الثقافية و المهنية ، لكنها في مجملها تضاف إلى التجارب النثرية الحديثة لتوجيه الادب الامازيغي نحو مسار أدب جديد على غرار الاداب العالمية .
و رغم أن النقد المتخصص لم يهتم بعد بتثمين هذه التجربة فإن الارتسامات الاولية بشأنها يمكن أن تلخص في الخصائص التالية التي تستقرأ من مقارنة هذا الشعر بالشعر الغنائي التقليدي : فالشعر الحديث إبداع كتابي بالدرجة الاولى لأنه لا يرتبط بمجالات الثقافة الشفوية التي ينبع منها الشعر الغنائي ، و هو بذلك يعتمد على النشر في تبليغه إلى القراء و كتابته لا تتم لاغراض تدوينه . و توثيقه يتولاه الباحث و المهتم دون الشاعر – المغني ذاته بل إن الامر يتعلق بتأليف و قرض كتابي في جوهره يقوم به الشاعر – المؤلف الذي يحتفظ بحق إمتلاكه لابداعاته المنسوبة إليه ، على عكس الشاعر التقليدي الذي كثيرا ما يذوب إنتاجه في الملكية الثقافية الجماعية ، و حتى في حال انتقال القصيدة الحديثة من الديوان إلى الاداء الغنائي ، فإن ذلك لا ينزع خاصية الكتابة بقدر ما يكرسه على غرار النصوص المؤداة في الاداب العالمية ، كلمات تؤدى وفق أعراف الشعر الغنائي الحديث .
و بالنسبة للدواوين و القصائد المتوفرة لحد الان و التي أغلبها بلهجة تاشلحيت ، فإن الكتابة تعتمد على الحرف العربي ، على عكس الشعر التقليدي الامازيغي بالجزائر و الذي ينقل بواسطة الخط اللاتيني .
إلا أن أغلب إنتاجات الشعر الامازيغي الحديث تقدم وفق النموذج الشائع على الشعر الحديث في الاداب الاخرى كالشعر الحر بالنسبة للعربية مثلا .يتبين من هذه النظرة الوجيزة عن الادب الامازيغي و أجناسه أن هذا الاخير أدب حيوي لا يشكو من أي قصور جوهري ، و أنه يحمل في طياته بذور إنتعاشه و تطوره إن توفرت الظروف الموضوعية لذلك و هو يستمد حيويته هاته من طبيعة الثقافة الامازيغية التي صمدت عبر آلاف السنين أمام مختلف العناصر المهددة لهويتها ، و لم تزدها القرون المتلاحقة من الاحتكاك بغيرها من الثقافات إلا غنى و رسوخا رغم ما بقيت فيه و لمدة طويلة من شفهية ضاع معها الكثير من ثرواتها الادبية .

ليست هناك تعليقات: