الثلاثاء، ١٢ فبراير ٢٠٠٨

الفصل الأول : III تطور الشعر الامازيغي(1.انضـــامــــن)

لقد سبق و أن قلت في بداية بحثي أن الشعر الامازيغي مر من مرحلة الشفهية إلى الكتابة ، و هذا يعني أنه قبل الوصول إلى مرحلة التدوين و الكتابة فإنه قد مر من مراحل أخرى ، فقد كان في الاول شفهيا حيث يؤخد من شعراء شعبيين أو ما يطلق عليه " انضامن " و جاء من بعد هذه المرحلة ما يسمى " الروايس " ثم بعد الروايس جاءت " الدواوين " و من بعدها " المجموعات " و نحن في مبحثنا هذا سنتطرق فقط لا نضامن و المجموعات .
1. انضـــامــــن .
كلمة " انضامن " مأخودة من نضم ينضم نضما و " انضامن " او ما يطلق عليه شعراء اسايس ينضمون الشعر في نادي اسايس فتؤخد منه الحكم و المواقف ، فهم من حملوا مشعل التوعية بعيدا عن الجوائز و دور النشر و التوزيع ، لا يحتفل بعيد ميلاده و لا تقام الذكرى لوفاته بل و يجهل مواطنوه كل شيء عن حياته ، هذا الشاعر الشعبي الذي أهتمت به الدراسات الاجنبية و تجاهلته الدراسات الوطنية هو نفسه الذي أعطى كل ما يملك للوطن زيادة على مساهمته الفعالة في تبليغ الديانة الاسلامية لقبيلته ، فهو الناطق باسمها و المدافع عنها .
إن " ءامرير " أو " ءانضام " يحكون أخبار الماضي و الحاضر و يلمحون للمستقبل بعيدا عن خشبة الاضواء الكهربائية بلباس شعبي متواضع . و مدرسة أسايس ينعدم فيها التمايز الطبقي و يلتقي فيها المجتمع بكل شرائحه ليمضي لحظات كلها أخد و عطاء . فالشاعر الشعبي يفتح نافدة عريضة على جمهور لا حد لـه فيقوم بدور مهم في التوعية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الدينية ، أضف إلى ذلك أنهم يرفهون على الفلاح و العاطل ، و كما هو معلوم " فانضامن " يطلق عليه " ءامرير " و يطلق عليه كذلك " ءامدياز " أو " ءانشاد " هذا الاخير لابد لـه من شروط و مواصفات لكي يكون دخولـه إلى نادي أسايس دخولا شرعيا فقبل ولوجه إلى الميدان يتحتم عليه :
*أن يكون قادرا على صياغة الشعر و احترام ضوابطه الفنية .*
*أن يتطلع في لغته لفظا و معنا و صياغة .أن يكون مطلعا اطلاعا تاما على قضايا مجتمعه
اما بعد دخوله إلى الميدان فيجب عليه :
* أن يتصف بالرزانة بعيدا عن التسرع و الاندفاع .
*ان تكون أساليبه متنوعة .
*أن يكون ملتزما إلى أقصى الحدود .
*أن يكون جريئا في نقد الاوضاع و إتارة العواطف .
عند ما نتحدث عن " انضامن " أو بالاحرى كتاب الجرائد الشفوية فإنه بطبيعة الحال نستحضر مجموعة من شعراء اسايس أمثال " لحسن اجماع " و إحيا بوقدير أزدو " و " عثمان ازوليض " و " عمر الحنافي " و " بوزنيغ " و " مبارك بن زيدا " و "عمر أجوي " و غيرهم من الشعراء الذين تسلقوا سلاليم العبقرية في هذا الميدان و استطاعوا بشفاههم تدوين صفحات مشرقة من صفحات الحركة الوطنية بالجنوب و لا بأس من التطرق لبعض هؤلاء الشعراء :
‌أ- عمر أجــــوي :
هو عمر بن محمد بن مبارك المشهور بالرايس عمر اجوي و هو من مواليد دوار أيت برييم و يلقب بشيخ الشعراء . و فكرة الحديث عن هذا الشاعر لم تأت اعتباطيا فيكفي أن نعلم أن الرايس عمر قد توزع على مجالين ابداعيين هما أحواش و فن الروايس ، و يكفي أيضا أن نعلم أنه نزل إلى اسايس منذ سن مبكرة منافسا بذلك أصحاب الباع الطويل ، و قد وجد كالمعتاد صعوبة في فرض صوته في هذا المجال لكن بعد تجارب كثيرة ومديدة و الاصرار الواضح تمكن من أن يجد لـه ملاذا في ملكوت الشعر . و الشاعر عمر كان ذا إلمام بقواعد أسايس وذا موهبة فذة و هذا كله بفضل صحبته لكبار مبدعي عصره .
يقول عمر أجوي
أك أوصاح هان لغرض أس سول إلا واوال
أوكان كيك لغرض أرك إتيري كيوان
أتاريالين إخور حاضيرنت إيان
لمال أيلان أتيك أور إنا يان نكين
الشاعر عمر في هذه الابيات يشير إلى زحف القيم المادية للمجتمع و إفسادها للعلاقات الانسانية في المدن و البوادي ، نجده كذلك في مجموعة من أشعاره يتحدث عن الحب و عن الصداقة ، و هذا يعني أن قصائده تتناول مختلف الاغراض إلا أن المجال الذي ينفرد به و الذي أبدع فيه ما لم يبدعه غيره هو مجال الحكاية و الاسطورة في قصائد مطولة تحتوي الشخصيات و الاحداث و الامكنة ، فتضفي عليها الكلمة الشعرية أبعادا جمالية رائعة . و الحكايات تتعدد أشكالها بين الحكاية الدينية و الاجتماعية و التاريخية و يتناول إلى جانب الحكايات بعض الوقائع و الاحداث الاجتماعية أو الاحداث التاريخية التي عرفتها سوس و المغرب ككل . و تتميز عنده من الناحية الايقاعية العروضية باستعمال الاوزان الاكثر تنغيما و اتساعا لحجم أحداث الحكاية مثل :أي لا لا لا لا لا لا ي لا لا ي دالال . و من أهم الحكايات و الاساطير التي قام بنضمها عمر حكاية تودد الجارية التي هي من حكايات ألف ليلة و ليلة بالاضافة إلى قصص الانبياء " كموسى و عيسى و يوسف " و غيرهم . و ما يثير الانتباه في القصائد التي تضم القدرة العجيبة للناضم على ادراك الابعاد الانسانية للاحداث . لقد امتد العمر بالشاعر أجوي فعاصر الجيل الحالي من الشعراء الشباب و المجموعات الغنائية، و ان لم تكن جميع مظاهر التجديد في فن الغناء الامازيغي قد راقت لـه ، فإنه رغم ذلك خاض نسبيا في تجربة التجديد بما نضمه لبعض الشباب المعاصرين على أوزان تتلائم و ذوقهم الموسيقي .
لقد امتد العمر بشاعرنا فتجاوز الثمانين من عمره ، و بانصراف الناس عنه بدأ يتحسر على ايام كان فيها يسابق الزمن و يشغل الناس بفنه . و معاناة العزلة و مغادرة الاصدقاء لعالم الشاعر تجعله ينظر لنفسه ككائن منسي و تظهر هذه المعاناة من خلال الابيات التالية :
أرجا فلله الحباب إخسان أرد رمين
أرد سول زضاراخ أد لكمخ مدن عدلنين
إخ نكن أرغييض أرتخميمخ الاخبارنخ
نحاسب إمد وكال أفاحن ميا د لا لوف
إن شخصية " عمر أجوي " و ذاكرته التي قل نظيرها وتراثه الشفاهي الضخم لا يجب أن يبقى منضوما في قصائد فيأتي زمن فتضيع . فعلى المسؤولين على الثقافة بصفة عامة و الشعبية منها بصفة خاصة في بلادنا أن يقوموا بجمع قصائده و محاوراته في ديوان فيكون ذلك اعترافا ببعض ما أسداه للثقافة الوطنية وبمثابة تشجيع للأخرين .
‌ب- مبارك بن زيدا
سبق و أن تحدثنا عن الشروط التي يجب أن يتوفر عليها الناضم بعد دخولـه هذا الميدان ، و منها أن يكون جريئا في نقد الاوضاع و إتارة العواطف . فالجرأة إذن هي القوة التي تدفع الشاعر إلى الوقوف أمام عشاق هذا الفن من مختلف الاعمار ، تنظر إليه العيون و تسمعه الاذان بجادبية فريدة تستحثه على المضي إلى الامام و الافصاح عن كل شيء غير مبال بمن حولـه ، و اختيارنا لهذا الناضم لم يكن وليد الصدفة فهو من أكثر الشعراء جرأة ، و الحديث عنه يتطلب منا وقوفا طويلا لأنه نموذج فريد من نوعه بين شعراء جيله ، فهو سريع الانفعال لاذع اللسان جريء في ردوده إلا أن أهم ما يميز " مبارك بن زيدا " إضافة إلى جرأته أنه كان متواضعا ، ففي مساجلاته المشهورة كان يبدأ بذكرعيوبه و لا يبادر خصومه بذكر مثالبهم إلا بعد أن يستنفذ ما في جعبته من الموادعة ، و حينما ينفجر يكون كالنهر الجارف الذي يخرب كل ما وجده بجوانب المجرى بدون رحمة و لا شفقة .
لقد ترعرع هذا الشاعر في حضن العبودية فأبوه كان مملوكا لأسرة من مرابطي أيت حساين " بأكادير لهنا " و أمه كانت مملوكة لاسرة من أعيان قرية " أكجكال " بمنطقة أفراو. و كان العرف يقضي ببقاء الابن في حجر أمه و قد كان سواد بشرته منشأ كبريائه و الاعتزاز بالنفس فقد كان منذ صغره مزهوا لا يقبل الدل ، و لذلك اختار الشعر بعيدا عن التصنع و التملق لاستمالة ايادي البر و الاحسان .
لقد بدأ هذا الشاعر يصعد في سماء أسايس ، فإلى جانب حضوره في المساجلات الشعرية الكبرى بين عباقرة الكلمة كتلميذ يحدوه الامل إلى الاخد من هذا الفن ، كان يتدخل كلما سنحت له الفرصة ليبدي رأيه .
إن جرأة " مبارك بن زيدا " جعلته ينضم الشعر في مختلف الاغراض خاصة السياسية فقد كان جريئا حين تحدث عن العملاء الذين تسلموا المناصب بعد الاستقلال و قد اشار إلى أحد هؤلاء متوعدا اياه يقول :
لحاق أرد ءتكا غ ئخف نسن يان ئميك
أسنا غ راد ئفوغ أس ؤر تلا أسافار
ويلي نغانين لهيشت ؤرتن ئسن يان
نيريت س لحفلا د ئحيا ئغتن كانيخ
كل ما كان كوكب الشعر يسمو عند ابن زيدا كلما ازداد مناوئوه بين الشعراء الذين يقاسمونه ميدان أسايس ، لذلك فحكايته مع هؤلاء تعتبر المثال الحي للتحدي الابداعي العنيف فهو في لقاءاته الساخنة مع منافسيه لا يلقي بجميع حباله مند أول وهلة و لكنه حينما تتصدع حفيظته لا يمكن كبح جماحه ، فجرأته لا تماثلها اية جرأة و هي اشبه ما تكون بجرأة جريرالشاعر العربي فقد تجرأ على نفسه قبل أي أحد أخر .
مدن سن كولو تاغاط تالي يى يورونمـدن
شاهذات ئس مزيكخ أنشك ن ووراو
و تجرأ كذلك على امه :
لاه ؤرسار تاهالنح ؤلا نيويتنت
ئغن ؤرنود ئ زيدا س تير شت ن واكال
تكينت أد تزي غ ؤ نوال ت تمكالين
برهانا على تحرره من كافة العقد و القيود ، لقد أصيب رحمه الله بسرطان الحنجرة و الفم بسبب تعاطيه للتبغ بكثرة ، و بجرأته خلق جمهورا عريضا . و نستطيع أن نقول أنه أعطى نفسا جديدا للشعر الامازيغي إذ أنه بالاضافة إلى جرأته فإن اشعاره تفوح حكمة و أخلاقا

ليست هناك تعليقات: